مولد النبي صلى الله عليه وسلم

+++ الاحتفاء بالمولد النبوي بدعة أم طاعة +++
أمّا الاحتفال بالمولد على أنّه عيد ( شرعي ) فذلك بدعة مكروهة على الصّحيح ، لأن الأعياد الشّرعيّة شعائر وفيها اعتقاد التسنّن ، ومحلّ ذلك إنّما هو التوقيف على الدّليل ، والأدلّة لا يُسلّم معها بمشروعيّة لغير عيدي المسلمين المعروفين كما في "السّنن" من حديث أنس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال لأهل المدينة : « كان لكم يومان تلعبون فيهما ، وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما : يوم الفطر ، ويوم النحر» .
وأمّا من اتّخذ من المولد ونحوه وسيلة وتوقيتًا لأعمال مشروعة كتذكير ووعظ أو صدقة أو صوم ونحو ذلك فهو جائز في الأصل، وكذا الأعمال المباحة فيه كالأكل والشرب والإنشاد ونحوها إذا لم يصحبها عمل منكر أو إسراف أو اعتقاد التّعبّد بتخصيص ذلك اليوم لها فهي باقيةَ على إباحتها ، لأنّ صاحبها لا يتّخذ مجرّد التّوقيت إلّا وسيلة ونوعًا من التّنظيم كمن يخصّص بعض ساعات اليوم للعبادة لكونه ينشط فيها لذلك ، أو يخصّص يومًا معيَّنًا للدّراسة والعلم لكونه يومًا يتفرّغ فيه لذلك ، أو يفعله لسبب آخر غير التّعبّد واعتقاد سنّيّة التّخصيص أو وجوبه ، ومن ذلك مثلًا ما في "الصّحيحين " من حديث أبي وائل قال : كان عبد الله ـ أي ابن مسعود ـ ممّا يذكّـر كلّ يوم الخميس فقيل له لوددنا أنك ذكرتنا كل يوم قال إني أكره أن أُملّكم ... الحديث ، فهذا هو الأصل ، لكن مقتضى أصول مالك وأحمد كراهة مثل هذا التّخصيص إذا خُشي أن يغترّ النّاس به فيعتقدوا أنّه مسنون ، ومِن الفقهاء من سار على أصول الشّافعيّ فجوّز اعتقاد سنّية التّخصيص والاحتفال أصلًا ، وانتزعوا ذلك من نحو قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في صومه يوم الاثنين : « ذاك يوم وُلدتُ فيه » ، وقوله صلّى الله عليه وسلّم في عاشوراء : « ذاك يوم نجّى الله فيه موسى » ، ومثل هذا القياس منه صلّى الله عليه وسلّم يُحتمل أن يكون بوحيٍ إليه ، ويُحتمل أنّه قاله باجتهاد ، والاحتمالان متساويان في الأصل ، ولذا وقع الخلاف ، وهو مبنيّ على خلاف الأصوليين في مسألة هل النّبيّ يجتهد أو لا ؟ وكذا خلافهم وخلاف فقهاء المذاهب الأربعة في الأبواب التي يجوز فيها القياس ؟ فالحنفيّة والشّافعيّة يجوّزون القياس في العبادات ، والحنابلة يجوّزونه في الرّخص والتّعزيرات ، وهذه جميعًا يمنعها المالكيّة .
والمحصّل أنّ غاية ما يبلغه عمل المولد إذا لم يصحبه منكر هو حكم الكراهة ، والذي اتّفق على تحريمه هؤلاء وغيرهم من فقهاء أهل السنّة هو البدعِ الحقيقيّة ، فتلك هي المحدثات في الدّين لأنّها لا أصول لها يُرجع إليها في الشّريعة ، والله تعالى أعلم .
(( الشيخ التونسي قيس الخياري ))